مذكرات الدكتور إبراهيم ماخوس (الحلقة التاسعة)

ملاحظات تحليلية حول بعض ما جاء في دستور الحزب ومؤتمره التأسيسي

*- نظرا لوضوح معظم ما جاء في “الدستور” والمؤتمر التأسيسي “عامة” فإننا نكتفي بإيراد بعض الملاحظات التحليلية حول بعض النقاط الرئيسية التي تحتاج للمزيد التوضيح، اعتماداً على “الدراسة الأولية حول نقد تجربة الحزب”، والإضافات المناسبة الجديدة التي يقتضيها موضوع هذا “الكتاب” بالذات.

” فمن المعروف أن صراعاً حاداً قد دار في ذلك المؤتمر حول مفاهيم الحزب الأساسية في: “الوحدة والحرية والاشتراكية”، من حيث حدودها ومضامينها وتعبيراتها العملية، وخاصة بالنسبة “للاشتراكية”، حيث كان رموز التيار الإصلاحي يريدون استبدال كلمة “الاشتراكية” بالعدالة الاجتماعية، وينظرون للمسألة بصورة مثالية أخلاقية، بعيدة عن المفهوم العملي، وقانون الصراع الطبقي، كما كانوا يفهمون “الحرية” بنفس المنظار، وكذلك “القومية”، رغم أن الحزب استطاع في المراحل اللاحقة أن يتجاوز هذه العقلية، وأن يؤكد الترابط الجدلي الحي بين أهدافه الثلاثة، وقد حكمت تلك العقلية (التوفيقية) بين التيارين الحزب فترات طويلة من حياته…”.

        وبالعودة إلى بعض المقاطع التي جاءت في”نضال البعث”- الجزء الرابع- ص 18- 19- 20 (المطبوع كما ذكرنا بإشراف جماعة الأستاذ عفلق) وذلك في افتتاحية جريدة ” البعث”: التي كتبها  الأستاذ صلاح البيطار حول المؤتمر في 15/ نيسان/1947 ومواقف الأستاذ جلال السيد القومية اليمينية المحافظة المعروفة(1) في مجال الإشتراكية، والفصل التعسفي، بل التناقضي بينها وبين الحرية. وأن الإشتراكية [يجب أن لا تحد من حرية الأفراد، وأن صاحب المعمل ليس هو دائماً ذلك الوحش المستغل لجهود العمال، بل قد يكون شخصاً متبرعاً مخترعاً في الصناعة…الخ]، واتهام (المتطرفين بتأثرهم بالتفكير والأسلوب الشيوعي) نلاحظ “فهماً متخلفاً وقاصراً وخاطئاً لدور البرجوازية في العالم الثالث في عصر الامبريالية..” وكذلك نتلمس بعضاً من جذور العقلية اليمينية التي ظل أصحابها متمسكين بها حتى النهاية، “علماً أن [المعتدلين والمتطرفين] قي ذلك المؤتمر كانوا يلتقون-إذ ذاك– على رفض الشيوعية (المادية)، ويستلهمون الفلسفة الألمانية (المثالية)، وأفكار” أندري جيد” ويحرصون- كما قالوا على [تفريق الاشتراكية القومية] عن [الاشتراكية الأممية].

 “ولكن لا يزال التشهير بالجناح اليساري، يتم تحت راية الاتهام بالشيوعية، سواء من قبل الأجنحة اليمينية والمرتدة، أو التحالف الإمبريالي الصهيوني، الرجعي”، هذا الجناح اليساري الذي “واصل تجذير وتحويل الحزب من خلال الاستمرارية ليكون، كما أراده حقيقة، حزبا للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء في الوطن العربي، في الوقت الذي سقط معظم عناصر ذلك التيار اليميني في مستنقعات الانحراف والردة، أو استمروا في إطارهم المتخلف”.

* حول المبادئ الأساسية:

 لقد أكدت هذه  المبادئ الثلاثة المفهوم الثقافي الحضاري لوحدة الوطن والأمة، بعيداً عن المفاهيم العرقية والشوفينية الأخرى التي كانت سائدة عالمياً.

كما ربطت انبعاث الأمة، ووحدتها، وتطورها، بحرية المواطن العربي المقدسة، ومدى انسجامها مع المصلحة القومية، وتقدير قيمة المواطنين، بالعمل الذي يقومون به انطلاقاً من الفرص المتكافئة للجميع.

وقد حددت رسالتها بالدور الحضاري الذي تساهم به في تحرر وتقدم وسلام العالم والأخوة الإنسانية المشتركة بين جميع الشعوب، الأمر الذي يعبر عن تميز منطلقات الحزب، والبعد الإنساني الرائع للأمة العربية.

* حول المبادئ العامة:

 تعبر المادة الأولى “لأول مرة في تاريخ العرب الحديث عن ولادة (حزب قومي إشتراكي) ينطلق من وحدة مصالح الجماهير العربية، ويجسد هذه الوحدة في تنظيم قومي ثوري يكون أداة هذه الجماهير في تحقيق أهدافها: (القومية- الديمقراطية- الاشتراكية).

….” وتفصل بقية مواد “المبادئ العامة” صفات هذا الحزب الأساسية بأنه: قومي اشتراكي شعبي انقلابي”.

ورغم التأكيد على أن “القومية حقيقة حية خالدة، لأسباب شرحناها في “المدخل التاريخي”، حيث كانت شخصية الأمة العربية معرضة للطمس والتشويه في تلك المرحلة، ووجودها كأمة عرضة للضياع(2)، الأمر الذي يفسر تركيز الحزب على القومية، ومبالغته” في إبرازها إلى درجة كبيرة، وصلت في أذهان البعض إلى درجة (الشوفينية) أحيانا…”إلا أن الدستور قد ربطها في نفس المادة ب *البعد الإنساني وإرادة الشعب العربي في التحرر والوحدة والتعاون مع سائر الأمم في سيرها القويم إلى الخير والرفاهية*، وبالتالي فقد كان مضمون القومية تقدمياً وفي اتجاه التاريخ. وقد تطور هذا المفهوم وتوضح في مؤتمرات الحزب اللاحقة، حيث اعتبرت الأمة العربية ممثلة لجماهير الشعب الكادحة فقط، وأن الطبقة (البرجوازية الطفيلية هي طبقة (كوسموبوليتية) لا علاقة لها بالوطن ولا بالأمة، كما سنرى في حينه”.

“إلا أن هناك اختلاط لدى البعض حول مفهوم الوحدة العربية، والقومية، والدين…”(…)”، وقد تجلى ذلك فيما بعد في أكثر من مجال- كما أشرنا- وخاصة في طرح جلال السيد- الذي كان رئيساً للمؤتمر التأسيسي، للوحدة بين سورية الجمهورية وعراق “نوري السعيد” الملكي، المحتل من قبل الانجليز والمرتبط بالأحلاف الامبريالية، ” مستغلاً عدم نص الدستور على جعل نظام الحكم جمهورياً، والاكتفاء بجعله نظاماً “نيابياً دستورياً” بهدف تمكين الحزب من التأسيس والانتشار في النظم الملكية”، كما كان واضحاً لجميع المؤتمرين، وكما جرى التأكيد عليه في المادة الأولى من قرارات المؤتمر بالذات “حول حزب البعث العربي والأوضاع في سورية”… بالنص التالي، الذي أقره المؤتمرون:

  1. التمسك بالنظام الجمهوري وتقويته، لأنه النظام الأصلح لممارسة الشعب حقوقه* (ص 35- المصدر ذاته).

2- وكذلك الخطأ الآخر الذي وقعت فيه قيادة الحزب، إبان الوحدة السورية- المصرية عام 1958 حيث رضخت لشروط الرئيس عبد الناصر (بحل الحزب) في الجمهورية العربية المتحدة (سوريا+مصر) خلافا لدستوره، ولمفهوم الحزب الثوري ومبرّر وجوده أساساً، كأداة للثورة العربية القومية الديمقراطية الاشتراكية المعاصرة.

وهكذا- كما أشرنا- كان البعض يحاول إيجاد متكئله في بعض مواد الدستور لتبرير نهجه اليميني وتصرفاته الخاطئة، وتجمده أو نكوصه، ومحاولة عرقلة تطور الحزب.

أما بالنسبة للاشتراكية، “كمفهوم وحدود فقد كان مفهومهاً غائماً، وأخلاقياً ومثالياً، وتوفيقياً في بعض مواد الدستور التفصيلية، لا يتركز على المفهوم العلمي والطبقي للمجتمع(…) وقد كان الحزب يرفع شعار “الإشتراكية العربية” في تلك المرحلة(3)، ثم تطور هذا المفهوم تبعاً لتطور الحزب. حيث أكد المؤتمر القومي السادس (1963) في “بعض المنطلقات النظرية” على وجود إشتراكية واحدة هي الإشتراكية العلمية” وأصبح الكلام عن “الطريق العربي إلى الاشتراكية”، ثم توالي ذلك في المفاهيم والتجسيدات اللاحقة بعد حركة 23 شباط 1966، حيث ثم التأكيد على الصراع الطبقي، والتركيب الطبقي للحزب، هذا المفهوم العلمي الذي ينضج من خلال وعي الحزب عبر المضافرة الخلاقة بين الممارسة النضالية والتثقيف النظري، والذي توج في المؤتمر القومي الحادي عشر 1980 بينما بقي (اليمين) حتى الآن في حدود ذلك المفهوم الإصلاحي اللاعلمي واللاطبقي للإشتراكية، وهنا يكمن الكثير من جذور الافتراق والتناقض التي تجلت عبر الصراع بين (اليمين واليسار) داخل الحزب”.

ورغم ذلك كله، فقد كان حزب البعث العربي يطرح برنامجاً (اشتراكياً) متقدماً جداً في تلك المرحلة. في الوقت الذي كان السيد خالد بكداش ينفي عن نفسه وعن حزبه الشيوعي السوري (تهمة) الإشتراكية(4). ويعود الفضل لحزبنا المجيد في ربط الثورة القومية بالثورة الاجتماعية، كنقلة نوعية لأول مرة في الوطن العربي، في مواجهة أحزاب قومية شوفينية (إقطاعية برجوازية) رجعية، وأحزاب إقليمية معادية لوحدة الأمة(5).

– وحول المفهوم الديمقراطي الرائع المتعلق بمعنى “الشعبية” كصفة مميزة للحزب، منذ نشأته، وحتى وصوله إلى السلطة، ولأسس الدولة وشرعيتها بالذات، فنود أن نشير إلى أن “الحزب لم يتقيد بها خلال وجوده في السلطة، ولم يستطع الاهتداء إلى تنفيذها في واقع الحياة، كما سنوضح لاحقا.

– ولقد كانت صفة “الانقلابية” تعني اعتماد الأسلوب الثوري في تغيير الواقع العربي، ورفض الأسلوب الإصلاحي العاجز إزاء الواقع المجزأ المتخلف المستعمر، وقد كرّسها المؤتمر القومي السادس في “بعض المنطلقات النظرية”، التي حددت منطلقات الحزب بسمتي ” العلمية والثورية”، ولكن الحزب مارس (الانقلابية) عبر الانقلابات العسكرية فقط، ولازال يمارس هذه اللعبة المدمرة حتى الآن، حيث استلم السلطة، بكليته، أو (بعد انقساماته) – (أو استلمت باسمه)…عن هذا الطريق…كما ركن البعض الآخر إلى الإصلاحية العاجزة المتخلفة… بينما جسّد الحزب “بتياره الأساسي الجذري” هذا المفهوم من خلال إستراتيجيته الشاملة التي أقرها المؤتمر القومي التاسع / أيلول- سبتمبر 1966 بعد حركة 23 شباط”… كإطار وطريق للتغيير الثوري الحقيقي في الوطن العربي…”

ورغم الانقلاب على حزبنا، الذي حال دون تنفيذ تلك الإستراتجية كما سنبينه لاحقاً، إلاّ أن التحليل العلمي للواقع العربي والدولي، وتجربة الحياة طيلة هذه المراحل التاريخية، تؤكد صحة المنطلق (الانقلابي الثوري) الذي طرحه الحزب منذ ولادته (…) “بأن الأسلوب الثوري هو الطريق الوحيد لتغير الواقع العربي”.

ولا بد أن نشير في سياق” المبادئ العامة” إلى موقف الحزب المبدئي التقدمي من المرأة، وتمتعها بحقوق المواطن كلها، ونضاله في سبيل تحقيق ذلك.

ومن المؤسف أن “الدستور” لم يتطرق بشكل علمي واضح لوضع الأقليات القومية في الوطن العربي، ويضع التصورات الديمقراطية لحل هذه المسألة، وقد نجم عن هذا التقصير السلبي الكثير من المشاكل المعروفة خاصة في العراق، وغيره من أقطار الوطن العربي المعنية مباشرة، كالسودان، رغم الصيغ المتتابعة التي طرحت خلال تلك المراحل، لحلّ هذه القضية الهامة، وذلك حتى المؤتمر القومي الحادي عشر 1980 الذي حدد (في التقرير السياسي) موقف الحزب المبدئي الديمقراطي الإنساني من هذه المسألة (ص 189-194).

المسألة التنظيمية:

 خلافاً لما جاء في”نضال البعث” المذكور ص (17) فإن المؤتمر لم يقر نظاماً داخلياً متكاملاً، حسب الوثائق الحزبية الموجودة، بل ربما اعتمد بعض المنطلقات العامة، وهي غير متوفرة أيضاً، حيث ورد في مادة “تعديل الدستور” عبارات “هيئة عامة” و”مجلس حزبي” و”لجنة تنفيذية”، لم تنتخب ديمقراطياً من القاعدة الحزبية، كما جرى في المؤتمر القومي الثاني 1954، طرح نظام داخلي غير متكامل لم يبت به بصورته النهائية، إلى أن جاء المؤتمر القومي الثالث 1959 فوضع النظام الداخلي المتكامل الأول في تاريخ الحزب، الذي بقي- عملياً- بدون نظام داخلي رسمي من 1947-1959، الأمر الذي يعتبر نقصاً كبيراً جداً لازم الحزب طويلاً، حيث شكلت (المسألة التنظيمية) إحدى نقاط الضعف الخطيرة، القاتلة في مسيرة الحزب، التي استمرت قيادته التاريخية تسيّره بمنطق (الأبوة)، والعفوية، والمزاجية، (وتركب) مؤتمراته ومجالسه بصورة فوقية انتقائية توافقية لا ديمقراطية، مستهترة (بالمسألة التنظيمية) وغير مدركة لأهميتها الحيوية، مع أنه من البديهي أن مشروعاً ثورياً عظيماً يهدف إلى تحرير وتوحيد الوطن العربي، وإقامة النظام الديمقراطي الإشتراكي الإنساني الجديد، يحتاج حتما إلى أداة ثورية فولاذية منظمة (حول نواة ثورية محترفة) مؤهلة لحمل وتحقيق هذا المشروع، الذي تقف في وجهه قوى التجزئة والتخلف والتحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي الهائلة، وبهذا الصدد نذكر حكمة لينين الخالدة: ” أعطونا منظمة ثوريين نقلب روسيا رأساً على عقب”.

“المنهاج الحزبي”

لقد حدّد “المنهاج” سياسة الحزب الداخلية والخارجية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية بما ينسجم مع المبادئ “الأساسية” و”العامة” المحددة في الدستور، ويعبر عن النظرية (القومية الاشتراكية) للحزب”.

وهي واضحة ولا تحتاج إلى المزيد من التحليل، إلاّ أننا نشير فقط إلى بعض المفاهيم والنقاط التي كانت مثار خلافات وصيغ (توفيقية) داخل المؤتمر، وانعكست في الصراعات اللاحقة داخل الحزب.

ومنها “مفهوم الحزب لشكل النظام والديمقراطية في ذلك الوقت، ومن المفهوم الليبرالي السائد في الغرب (…) والذي شكل في حينه إطاراً ديمقراطياً متقدماً نسبةً للأوضاع الحالية التعيسة (…)، “وقد انتقد المؤتمر القومي السادس هذا المفهوم، واعتبره برجوازياً لا يصلح للبلدان المتخلفة، وطرح بديلا آخر هو “الديمقراطية الشعبية”، والحقيقة أنه لم يتمكن من تطبيق أي من المفهومين خلال وجوده في السلطة، لا في العراق ولا في سورية، لا من خلال وجوده (الموحد)، أو بعد (انقساماته)، لا من قبل أجنحته اليمينية التي تحولت تدريجيا نحو الفاشية، ولا من قبل التيار اليساري (الأكثر ديمقراطية بما لا يقاس)، لأسباب سنشرحها في حينها.

        ونسارع إلى القول: أن التيار اليساري كان يبحث عن صيغة ديمقراطية متقدمة، تتجاوز الصيغتين السابقتين: المطبقين في الغرب والمنظومة الاشتراكية. والتي نعبر عنها حاليا، في أدبياتنا الحزبية، بوضوح: بأن الحرية لا يمكن أن تحلق إلا بجناحيها الديمقراطيين المتلازمين: الاقتصادي الاجتماعي، من جهة، والسياسي من جهة ثانية، بما يجعلها ديمقراطية كاملة شاملة، ونهجا سائدا في العمل والحياة.

ونشير أيضا، إلى عدم التزام قيادة الحزب، بنظام “الإدارة اللامركزية” لا إبان الوحدة مع مصر، ولا في القطرين اللذين (حكمها) فيما بعد (سوريا+ العراق)، وقد أجهض المشروع الذي وضعه الحزب حول ذلك – بعد حركة 23 شباط- قبيل البدء بتطبيقه،  بفعل قيام  الردة 13 تشرين الثاني 1970 التي جوفته ومسخته كما فعلت ببقية المشاريع الثورية السابقة..

أما “سياسة الحزب الإقتصادية التي قدمت تصورات أساسية هامة جداً، ومتقدمة عامة في حينها، بل وتصلح حتى الآن، كقاعدة انطلاق للعمل والاستكمال والتطور اللاحق، تبعاً للمعطيات والظروف الموضوعية المستجدة، والتي برهنت التجربة على صحتها،  باستثناء بعض المواد، التي اعتبرت ” توفيقية”، ” ومتناقضة أحيانا”، مثل: المادة (16) التي تؤكد: “إيمان الحزب بأن الثروة الاقتصادية ملك للأمة”.. والمادة (24) التي تنص على: “أن التملك والإرث حقان طبيعيان في حدود المصلحة القومية”.. وكذلك: حول حدود هذه الملكية عمليا.. الخ” الأمر الذي كان مجال صدامات دائمة إبان وجود الحزب في السلطة، تجلت في العديد من المناسبات، كالمؤتمر القومي السادس 1963، وعند إقرار التأميمات الواسعة في القطر السوري عام 1965، والعوامل الرئيسية « للقفزة النوعية” التي أعادت صلاح البيطار إلى الحكم بعد ذلك، وقبيل حركة 23 شباط 1966″.

..”وإذا كان المفهوم – واقعياً- عدم طرح مبدأ إلغاء الملكية الخاصة في تلك المرحلة، فقد تعدى ذلك إلى قناعة مبدئية راسخة مستمرة لدى التيار اليميني في الحزب (…)، “وقد طور الحزب – كما ذكرنا- وأوضح وفصّل سياسة الحزب الإقتصادية خلال مؤتمراته اللاحقة، وجعل مثلاً الملكية الخاصة في حدود الاستعمال الشخصي فقط “.

– ونلاحظ حالياً، وعلى ضوء وعينا الراهن، بعض نواحي الخلط والتداخل في الحزب، الذي تجلى في ذلك المؤتمر، واستمر بعد ذلك إلى مراحل طويلة في حياة الحزب وتجربته في السلطة بين مهام المرحلتين القومية الديمقراطية والاشتراكية،  وبين البرنامج الإستراتيجي النهائي والبرامج المرحلية الواقعية الملائمة.. الخ.

        ونشير أيضا إلى المادة (42) حول إلغاء التفاوت الطبقي والتمايز:” فمع ملاحظة الروح الديمقراطية في هذه المادة، والمضمون الاشتراكي الذي تحتويه، إلاّ أنه لابد من إعادة التأكيد على المفهوم (المثالي) لهذه المسألة الأساسية، والفهم السطحي غير الطبقي لهذا التفاوت، بكونه نتيجة لوضع اجتماعي فاسد، دون توضيح جوهر الصراع الطبقي في المجتمع، وكون التفاوتات الطبقية من فعل الطبقات الإقطاعية والبرجوازية المسيطرة…”. أي تكمن في أساس النظامين الإقطاعي والبرجوازي بالذات.

“وأن الإشتراكية الحديثة بنظر ” إنجلز” هي ثمرة انعكاس نزاع القوة المنتجة مع علاقات الإنتاج في فكر الإنسان، وقبل كل شيء في ذهن الطبقة العاملة التي تعاني بصورة “مباشرة”.

“كما أن التضاد بين الإنتاج الاجتماعي والتملك الرأسمالي يتظاهر بوصفه التضاد بين البروليتاريا والبرجوازية”، “وقد تطور هذا المفهوم – كما ذكرنا – بالاتجاه العلمي، حتى أصبح اليوم وفق النظرية العلمية التي يتسلح بها الحزب، وكان هذا التطور بالنسبة للتيار اليساري الجذري أمراً طبيعياً، لأنه ينسجم مع الحقيقة العلمية من جهة، ومع الروح الثورية الجنينية الكامنة في بعض مواد الدستور”.

– إن “سياسة الحزب الخارجية، الموضحة في الدستور والبيان السياسي الذي صدر عن المؤتمر، تحدد القوى الإمبريالية المعادية للأمة العربية بوضوح” وبالاسم، وهي الدولة المغتصبة أو المحتلة لبلد عربي، أو التي تتخذ موقفا عدائياً من الأمة العربية. “وتؤكد على نضال الحزب والأمة العربية ضد كافة أشكال الاستعمار والإستغلال والقهر، ومن أجل حرية وسلام وتقدم العالم أجمع، وذلك من منطلق مبدئي راسخ” كان ولا يزال من مميزات الحزب الأساسية.

        أما الموقف من العلاقة مع المنظومة الاشتراكية، فقد كان يشوبه شيء من التحسس من خلال مواقف الشيوعيين المحليين من قضية فلسطين والوحدة العربية..  وأخطاء المرحلة  الستالينية … الخ .

        حيت كان الحزب أول من طرح مفهوم “الحياد”، ودعا إلى الحرص على استقلالية الثورية العربية.  وكان يعبر عن ذلك في الأربعينيات وبداية الخمسينيات بشعار ” لا شرقية ولا غربية” الذي ظل بعض رموز التيار اليميني “يمارسونه بشكله السلبي القديم (…) رغم وضوح التصنيف الذي جاء به الحزب منذ البداية، بالنسبة للقوى المعادية داخلياًص وعربياً ودولياً. ” وقد تطور مفهوم الحياد الإيجابي و”عدم الانحياز” في الحزب، وتوضح “التناقض الرئيسي”، والقوى الصديقة والمعادية على جميع المستويات لتطور الحزب (…) “وخاصة بعد 23 شباط 1966، نظرياً وفي الممارسة العملية، من حيث تحديد علاقاتنا مع قوى الثورة العالمية الثلاث” المنظومة الاشتراكية + حركات التحرير الوطني+ الحركة العمالية العالمية”.

        * يتضمن البيان السياسي الذي صدر عن المؤتمر مقرراته، وبرنامج الحزب المرحلي الشامل والمفصل على كافة الأصعدة الداخلية والعربية والدولية، وبصورة خاصة على صعيد القطر السوري، بما يعبر بدقة عن مهام المرحلة القومية الديمقراطية، المنبثقة عن مبادئ الحزب الأساسية، ويجسد مصالح الجماهير الكادحة ومتطلباتها الحياتية الملحة في تلك المرحلة.

        “ونشير بهذا الصدد لدعوة الحزب في ذلك البرنامج، إلى تنظيم “جبهة عريضة نضالية شعبية قومية” من جميع الأحزاب العربية التقدمية التي تناضل ضد الاستعمار الخارجي والاستثمار الداخلي”…

“أي أن الحزب دعا للعمل الجبهوي منذ تأسيسه، وكرّر هذه الدعوة بعد ذلك في مجالسه ومؤتمراته القومية، ونفذها في سوريا إبان النضال لإسقاط “الشيشكلي” ونظامه الديكتاتوري (ثم في الوصول إلى تحقيق الوحدة مع  مصر)، “وكذلك في العراق إبان النضال لإسقاط النظام الملكي (وقيام ثورة 14 تموز 1958).

        “وكان العمل الجبهوي يتزامن جدلياً بنهوض جماهيري عارم، وترتبط به معظم الانتصارات التي حققتها حركة التحرر العربي، بينما ترافق التمزق والاقتتال بين القوى التقدمية العربية بمراحل الانحسار والنكسات الوطنية والقومية…”

        ومن الملاحظ أن الحزب لم يحقق الجبهة إبان وجوده في السلطة كما سنرى في حينه، الأمر الذي  نعتبره خرقاً لمبادئه، وخطأً فادحاً وسبباً أساسياً في سقوط سلطته التقدمية”.

” ومن الجدير بالذكر أن قسماً كبيراً من ذلك البرنامج الذي طرح منذ عام 1947 لم يتحقق حتى الآن، لا على المستوى القومي ولا القطري، بل أن بعض ما تحقق منه قد أصيب بالانتكاس في زمن الردات الحالية السوداء”. “وفي الحقيقة أن الدستور قد تضمن إنشاءً عربياً جديداً لجميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية في الوطن العربي، بالنسبة لتلك المرحلة.

إن المنطلقات الإستراتيجية التي طرحها المؤتمر لا تزال صالحة في خطوطها العامة حتى الآن. ولم يطرح بديل لتجاوزها، ويمكن تدقيقها، على ضوء التطورات المستجدة ووعي الحزب العلمي الحالي وتجاربه العملية، وخبراته النضالية المتراكمة، والاستفادة منها في وضع البرامج المرحلية المفصلة، وفقا لظروف الأقطار المعنية..

* وفي ختام هذا الفصل أرى من المفيد إضافة الملاحظات التالية:

1- لم تتم مراجعة وتعديل ” الدستور” رسمياً حتى الآن، رغم القرارات الحزبية التي دعت إلى ذلك، ومنها قرار المؤتمر القومي التاسع، ( أيلول- سبتمبر 1966) رقم (3) (ص 118) الذي ينص على مايلي:

* يقرر المؤتمر القومي التاسع، وجوب عقد دورة استثنائية للمؤتمر القومي، لإقرار تقرير عقائدي للحزب، يطّور “منطلقاته النظرية”، ويعدل ” دستوره”، ولدراسة مشروع نظام داخلي جديد، يستوعب أبعاد التطور الذي وصل إليه الحزب، والمرحلة الثورية التي يمر بها، وذلك خلال مدة أقصاها سنة واحدة من تاريخ هذا القرار، على أن تقوم القيادة القومية بتشكيل لجنتين لهذه الغاية: إحداهما تسمى لجنة التقرير العقائدي، والثانية لجنة النظام الداخلي” = “انتهى نص القرار”.

        وقد شكلت اللجنة الأولى فعلا، بإشراف الرفيق الدكتور نور الدين الأتاسي الأمين العام للحزب ورئيس الدولة، وحضرت” المشروع الأولي العقائدي”(6) الذي وزع على الجهاز الحزبي للدراسة وإبداء الملاحظات، ولكن عدوان حزيران 1967 حال دون استكمال ذلك، حيث انكّب المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي أيلول- سبتمبر 1967 على معالجة العدوان، ووضع إستراتيجية مواجهة العدو والصهيوني.

        ومع ذلك، فقد تم  تجاوز العديد من بنود “الدستور” العامة  والبرنامجية، في قرارات بعض المؤتمرات القومية المتتابعة، وخاصة من المؤتمر القومي السادس 1963، وحتى المؤتمر القومي الحادي عشر 1980.

        2- التأكيد – مجدداً- بأن لحزب البعث العربي، الفضل الأول في اكتشاف وبلورة أهداف الثورة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، التي ألهمت معظم الأحزاب التقدمية في الوطن العربي، بما في ذلك أحزاب شيوعية تطورت بهذا الاتجاه، آخذة جوهر هذه الشعارات، والكثير من أفكار البعث. وهذا معطى إيجابي يسعدنا كثيراً، رغم أنها لم تعترف بذلك – كما تقضي الأمانة- وتقر بسبق البعث القومي التاريخي العظيم.

ولم تزل منطلقات حزبنا القومية الديمقراطية الاشتراكية الإنسانية متقدمة على كل ما هو في الساحة العربية، ولم يولد له حزب بديل حتى الآن. وبالتالي فهو لا يزال يمثل ضرورة حيوية لنضال هذه الأمة. الأمر الذي يدعوه لمواصلة المجهودات الشاقة ليكون بمستوى هذه المهمة التاريخية، التي تستوجب التعاون الكفاحي والتحالف الجبهوي الديمقراطي مع جميع القوى العربية الحية الأخرى.

        3- إن الكائنات الحية: من نبات وحيوان لا تخلق بشكلها النهائي الكامل دفعة واحدة، بل- وكما هو معروف- تنمو وتزدهر وتثمر، أو تتوالد وتكبر، وتتجدد في إطار مكوناتها الطبيعية الأساسية، وقوانينها، وصفاتها الوراثية المتميزة، وتفاعلها مع الظروف الطبيعية والعامة المحيطة.

        فالطفل – مثلا- لا يولد بأسنان وشوارب، وحتى أسنانه اللبنية، ثم الدائمة، تظهر تبعاً لوظيفتها الطبيعية المطلوبة، وهكذا..

وكذلك الحال بالنسبة للحركات الدينية والسياسية، التي تنمو، كالمخلوقات الحية، ومن مكوناتها ومنطلقاتها الأساسية، وتتكامل بالممارسة العملية وتجارب الحياة. وقد تنتهي إلى مذاهب وفرق وتنظيمات متعددة، متقاربة أو متباينة، إلى هذا الحد أو ذاك، وفقاً لوعي كل فئة ومصالحها الطبقية. وهذا لا يضرها في شيء، كما لا يضر حزبنا، حتى (نحترف) جلد الذات، وتضخيم السلبيات، واستخدامها في الصراعات السياسية التي عاشها الحزب.

        والمهم أن يتم كل شيء في الإطار الديمقراطي، وعدم وضع (المولود الثوري) في قمقم خانق، أو في ما يشبه قوالب (الأقدام الصينية) الفولاذية القديمة، بل إبقاء مجالات وآفاق التطور الديمقراطي مفتوحة باستمرار، للنمو والتكامل، والتجدد المتواصل،  بما يخدم الأهداف الأساسية التي جاء من أجلها أصلاً.

        4- إني كلما راجعت وثائق الحزب مجددا، أشعر، على ضوء الأوضاع العربية والدولية الراهنة، أننا قسونا على حزبنا وأنفسنا، أحياناً في بعض نواحي “الدراسة الأولية حول نقد تجربة الحزب” وذلك بفعل ضغوطات – الأحداث الحادة إذ ذاك، وثقل انعكاسات ضياع سلطة الحزب في نفوس الرفاق، ومعاناة الحزب المأساوية الفظيعة بعد الردة، والمخاطر المخيفة على قضايا الوطن والأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية المقدسة…

ولذلك، ومع الاعتماد على تلك “الدراسة” المقرة بالإجماع، (والتي وضعت مشروعها بنفسي)، وانطلاقا من الدوافع القومية المسؤولة التي أملتها، ودعوتنا الحريصة، في “الدراسة” ذاتها، للمزيد من التفاعل والتكامل، كحق وواجب، مؤكَدَين، فإني أسمح لنفسي، استلهاماً لروح “الدراسة”، بتوخي أكبر قدر ممكن من الموضوعية، والإنصاف، وسعة الصدر، في استكمال معالجة بعض المواقف والأحداث والإضافات الجديدة، في مسائل الخلاف التي لا تخرج عن الإطار الوطني والقومي  الذي لا تساهل فيه على الإطلاق.

هوامش:

1- الأستاذ جلال السيد، رئيس المؤتمر التأسيسي، وأول نائب للحزب في البرلمان عام 47-1949/ (عن دير الزور) وعضو اللجنة التنفيذية الأولى. ثم ترك الحزب “بعد ذلك سنة 1955، لأنه كان يدعو، ويعمل لوحدة سورية مع عراق “نوري السعيد” الملكي-الخاضع وقتها لبريطانيا، خلافاً لموقف الحزب الرسمي إذ ذاك.

كان نائباً بارزاً شجاعاً، يحظى بتعاطفنا كبعثيين جامعيين عام 1949، وكان عندما عرفناه ايام كان نائب الحزب الوحيد، يصر على ارتداء (القبعة – البرنيطة) الغربية، التي كنا نظن وقتها، أنه كان يلبسها لتحدي الرجعية، والبداوة، وكدليل على التقدمية؟! وكان يحارب نواب البداوة في البرلمان ويناضل لتحقيرهم، وقد صدمت عندما اطلعت مؤخراً على ما جاء في كتاب  السيد “مصطفى دندشلي”  “مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي: حزب البعث العربي الاشتراكي=1940-1963= الطبعة الأولى1979/ من مقابلة مع الأستاذ جلال عام 1965/ حول مفهوم “القومية” “وأن “العنصر” و”الدم” العربيين لم يعودا نقيين إلا في القبيلة العربية، التي مازالت في الواقع مؤتمنة على الأخلاق العربية والتقاليد العربية…”

وكذلك معارضته لسياسة “الحياد الإيجابي” وللاتحاد السوفياتي، وان “الوحدة العربية لم تكن مرتبطة في حزب البعث بأي شرط من الشروط…”

وأن النظام الملكي لا يشكل عائقا أمام الوحدة، بل من الجائز أن لا تتحقق الوحدة إلّا في نظام ملكي. “… وأنه ليست بالإمكان إقامة الوحدة بعد انتهاج طريق الاشتراكية.. إلخ. بما يجسد الاتجاه القومي ((الشوفيني)) المتعصب والمحافظ الذي كان موجوداً في “البعث” (ص 52-53).

ولعل في ذلك أحد الأدلة على قناعتنا، كحزب، بأن لا أحد يملك مصادرة تغير البشر، طالما هم على قيد الحياة، سواء  باتجاه التطور الإيجابي إلى الأمام والأعلى، أو الجمود والتحجر والنكوص والتقهقر إلى الخلف، وأن ماضي الإنسان لا يبرر حاضره. والمهم الاستمرارية النضالية الملتزمة حتى آخر الحياة. وعندها فقط يمكن الحكم النهائي على المناضل، مهما كان.

ويجب أن أعترف بهذه المناسبة، أن خلافي، كمناضل في الحزب، مع القادة المؤسسين، لا يدفعني إلى الحقد بأي حال، أو يجعلني أنسى حياتنا المشتركة، وتعاطفنا الرفاقي الودي القديم، وهذا بالطبع في حدود البقاء خارج إطار الخيانة الوطنية والقومية.

2- مع العلم أن هوية ومصير الأمة حاليا، أصبحا في مرحلة الارتداد والانحسار الحالية، مهددين أكثر من السابق… بمشاريع ” شرق أوسطية…  جهوية… صهيونية امبريالية… بديلة…” وبالتالي فالتأكيد  على وحدة الأمة،  وأهمية العامل القومي بمضمونه الديمقراطي الشعبي يجب أن يكون في مقدمة نضالات القوى العربية الحية… خاصة وقد أكدت التحولات العالمية الحالية دور العامل القومي للأمم… بعد انهيار المعسكر الاشتراكي…. وذلك رغم نظريات (العولمة) الاستغلالية المضللة… التي تطرحها الامبريالية للسيطرة على العالم .  

3- يجب القول “للأمانة التاريخية” أننا لا نعتقد أن الأستاذ ميشيل عفلق، كان ضد “الاشتراكية” في المؤتمر التأسيسي للحزب، كونه رفع شعار الاشتراكية، حسب مفهومه الصوفي الإنساني الخاص، قبل تأسيس الحزب بزمن طويل. وهو ما عبر عنه في مقاله الشهير “ثروة الحياة” الذي كتبه في حزيران 1936- في مجلة “الطليعة” السورية التقدمية، وأعيد نشره مراراً، وآخرها في عام 1970 في كتاب “في سبيل البعث” الطبعة الرابعة (ص 12-14)، والذي جاء فيه هذا “التعريف” (الذي كان يحفظه جميع البعثيين، خلال مراحل طويلة من حياة الحزب):

[إذا سئلت عن تعريف للاشتراكية فلن أنشره في كتب ماركس ولينين، وإنما أجيب:

إنها دين الحياة وظفر الحياة على الموت، فهي بفتحها باب العمل امام الجميع  وسماحها لكل مواهب البشر وفضائلهم أن تنفتح.. تحفظ ملك الحياة للحياة، ولا تبغي للموت إلاّ اللحم الجاف والعظام النخرة].

“من كتاب: حزب البعث العربي الاشتراكي- للسيد مصطفى الدندشلي- ص 26 و  98-99/ وهي مأخوذة، بدورها من وثائق الحزب المذكورة” والحقيقة أننا كنا، ننطلق في شبابنا الباكر من جوهر هذا المفهوم (الرومانسي) وأفكار الأستاذ زكي الأرثوزي والدكتور وهيب الغانم المتقاربة، الذي لا أزال أذكر جيداً أنه سخر في إحدى محاضراته في مكتب الحزب في دمشق- من الشعار الشيوعي العالمي الشهير: “يا عمال العالم اتحدوا”، بقوله: “يا صعاليك العالم اتحدوا” بغرض النقد طبعاً. الأمر الذي يؤكد هو وغيره، من مفكري  قادة البعث المؤسسين. أنهم كان يجمعون والحزب كله معهم – رغم خلافاتهم الكثيرة- على رفض الماركسية من الأساس في تلك المرحلة. وأي ادعاء بغير ذلك مخالف للحقيقة والواقع. وهذا لا يعني مصادرة التطور اللاحق- الذي شهده الحزب في هذا المجال بعد ذلك، واعتباراً من المؤتمر القومي السادس 1963 بالذات

4- [إشارة إلى تقرير خالد بكداش الذي قدمه إلى مؤتمر الحزب في أوائل كانون الثاني 1942. الذي يقول: “إن من يقرأ ميثاقنا الوطني سيجده خالياً من أي إشارة إلى الإشتراكية، فهو لا يتضمن أي تعبير أو مطلب له صبغة إشتراكية”].

[ويقول الأستاذان ميشيل عفلق وصلاح البيطار في نشرتهما “القومية والعربية وموقفها من الشيوعية /1944/ […”أنهما كانا ينظران، من بعيد، نظرة عطف وتقدير للشيوعيين السوريين الذين يهاجمون الاستعمار ويتعرضون لاضطهاده بجرأة تستحق الإعجاب، واستمر هذا الموقف حتى عام 1936، حيث تكونت الجبهة الوطنية في فرنسا من الاشتراكيين والشيوعيين، وأخلت بوعودها، ولم تفعل شيئاً لتمكين الشعب السوري من حريته واستقلاله. وتحول الحزب الشيوعي السوري إلى أداة تنفيذية بأيدي الحزب الشيوعي الفرنسي والحكومة الفرنسية بشكل عام”.. .. “ونسي الهدفين الذين حددهما لنفسه وهما: النضال ضد الاستعمار، والنضال من أجل الإصلاح الاجتماعي”، لأنه كان يبذل قصارى جهده ليكون حليف الكتلة الوطنية السورية، خلاف الرجعية الاجتماعية والسياسية، والمفاخرة بأنه لم يعد يطالب بالاشتراكية”!!!

وأنه قد تحوّل إلى تجمع “لكافة الأقليات العنصرية والطائفية المعادية لمطامح وتطلعات الأمة العربية”.. وأصبح: “بعيد جداً من الفكر الثوري وعاجز تماماً عن القيام بدور ثوري في البلاد العربية…”..إلخ.. إلخ

كما حاولا أن يميزا بين موقفهما الحاد من الحزب الشيوعي السوري وبين الاتحاد السوفياتي، لأنه منذ قيامه أظهر تعاطفاً مع نضال الشعوب…”.

من حزب البعث العربي “السيد مصطفى دندشلي/ ص28 و42-43)

المأخوذة بدورها، من وثائق حزب البعث الأساسية المذكورة فيه.

-على غرار الحزب الشيوعي الجزائري –فرع الحزب الشيوعي الفرنسي في البداية.

5- كان الشباب في المناطق الريفية، خاصة، لا يقبلون على الأحزاب غير الإشتراكية، بحكم تعرضهم للاضطهاد المركب: الأجنبي- الإقطاعي- المدني، كما لا يتجاوبون مع الحزب الشيوعي، الذي كان يحاول اصطياد “الأقليات القومية” غير العربية و(الأقليات الدينية الطائفية) قافزاً بطرحه (الأممي) فوق الأمة العربية، وبدافع الاعتزاز بالانتماء القومي، والتوق للعدالة الاجتماعية، كانوا يتجهون نحو “البعث” حيث يجدون في أفكاره الضمانة الكبرى التي تجمع جدلياً بين العروبة والاشتراكية، أي بما نعبر عنه حالياً، بتلازم الثورة القومية الديمقراطية.. لتحرير وتوحيد الأمة والثورة الاشتراكية لتحرير المجتمع من الإقطاع والرأسمالية..

6- غير متوفر لدينا حالياً.

عن ابراهيم معروف

شاهد أيضاً

مذكرات الدكتور إبراهيم ماخوس – الحلقة العاشرة -

لمحة موجزة عن نضال الحزبمنذ المؤتمر التأسيسي 1947- وحتى الوحدة 1958(1) نضال الحزب في الساحة …